تعتبر مراكز حماية الطفولة مجموع المؤسسات أو الفضاءات التابعة لوزارة الشباب والثقافة والتواصل تتولى مهمة إعادة تربية الأحداث الجانحين المحالين عليها من طرف السلطات القضائية طبقا لمقتضيات قانون المسطرة الجنائية، ولا يمكن إيواء غيرهم، والذين تتراوح أعمارهم ما بين 12-18 سنة، بحيث تعمل هذه المراكز على تقديم خدماتها التربوية باستمرار لتأمين شروط الرعاية التربوية الكفيلة بإصلاحهم وتأهيلهم للاندماج في المجتمع.
يقدر عددها حاليا 20 مؤسسة بطاقة استيعابية تقدر بـ 2075، منها 15 للذكور بما في ذلك ناديين للعمل الاجتماعي، و5 مراكز خاصة بالإناث. ومن بين أهم الأهداف التي تسعى هذه المراكز إلى تحقيقها نجد:
▪️ إعداد اقتراحات ومشاريع تربوية تستعين بها السلطات القضائية في اتخاذ التدبير القضائي المناسب للحدث؛
▪️ تقديم الخدمات الاجتماعية والتربوية والصحية الكفيلة بتأمين إصلاح الحدث وتقويم سلوكه واندماجه في المجتمع؛
▪️ضمان تكوين دراسي أو مهني للحدث يساعده على الاندماج الاجتماعي والاقتصادي بعد انتهاء مدة إقامته بالمركز؛
▪️ العمل على ترسيخ الروابط بين الحدث ووسطه العائلي.
ومن هنا يمكن طرح تساؤل مفاده:
▪️ إلى أي مدى يمكن تجسيد واقع مراكز حماية الطفولة بالمغرب؟ بمعنى آخر هل لا زالت تواجه مجموع الإكراهات التي جاءت في تقرير المجلس الوطني لحقوق الإنسان والتي تحد من تفعيل اختصاصاتها؟ وكيف يمكن تفسيرها؟ وما هي أهم المقترحات التي يمكن الخروج بها؟.
ومن هنا يمكن تقسيم هذا الموضوع وفق محوريين أساسيين:
● المحور الأول: اكراهات مراكز حماية الطفولة
● المحور الثاني: مقترحات للحد من هذه الإكراهات
المحور الأول: إكراهات مراكز حماية الطفولة
على الرغم من التقدم المحرز، لا يزال قطاع حماية الطفل يواجه تحديات كبرى وإكراهات تعرقل حماية الطفل بالشكل المرغوب، وبالتالي تحد من تكريس اختصاصات هذه المراكز التي تساهم في إعادة إدماج وتأهيل الأطفال داخل المجتمع، بحيث يقدر عدد الأطفال الذين يعيشون في مؤسسات الرعاية بنحو 100000 طفل. إلا أن هذه المؤسسات تعاني عمومًا من عدة اختلالات وإكراهات لعل أبرزها:
▪️ نقص التمويل المخصص لدعم مراكز حماية الطفولة.
▪️ غياب التكوين والتأطير داخل نسق هذه المراكز، مما يفضي إلى غياب كفاية الموظفين المؤهلين.
▪️ إيداع الأطفال بدون تصنيف قائم على السن أو سبب الإيداع (الأطفال في وضعية صعبة أو في نزاع مع القانون) مما يشكل عائقا أمام توفير التكفل الملائم لكل فئة ويطرح مشكل سلامة الأطفال دون السن 12 وكذلك الذين في وضعية إعاقة.
▪️ إضافة إلى أنه لم يتم إلى حد اليوم تطوير مشروع الأسر الحاضنة بشكل جيد.
▪️ كما أن نظام التبني لا يخضع لرقابة كافية، وقد لا يمكن تسجيل الأطفال المولودين خارج إطار الزواج عند الولادة أو يتم التخلي عنهم أو إيداعهم بإحدى مؤسسات الرعاية.
▪️ عدم أخذ ضرورة قرب المركز من محل سكنى الأطفال بعين الاعتبار؛
▪️ التباينات الكبيرة بين المراكز فيما يخص عدد النزلاء؛
▪️عدم خضوع المراكز للمعايير الدولية المعتمدة في مجال الاستقبال والتكفل بالأطفال (المعايير المتعلقة بالبنايات والتجهيزات ونوعية التأطير وسلامة وحماية الأطفال)؛
▪️ عدم خضوع المراكز لمراقبة منتظمة من قبل الإدارة الوصية؛
▪️ ظروف عيش (الإقامة، النظافة والتغذية) لا تضمن الحقوق الأساسية للأطفال؛
▪️ عدم ضمان الحق في الصحة والسلامة البدنية والحماية من كافة أشكال العنف والاستغلال، وكذا الحق في إعادة تربية مناسبة وفي المشاركة وحق الأطفال في الإنصات إليهم وحمايتهم ومساعدتهم قانونيا طوال المسلسل القضائي.
▪️ كما تهم تلك الاختلالات تعرض الأطفال المودعين للعقوبات البدنية والشتم والإهانة؛
▪️عدم احترام حق الأطفال في اللجوء إلى آليات للتظلم طبقا للمعايير الدولية المعمول بها؛
▪️ عدم تفعيل عملية تتبع الأطفال في الوسط الطبيعي خلال مرحلة ما بعد مغادرتهم للمراكز وهو ما يمس بحق الطفل في إعادة إدماجه الاجتماعي؛
▪️ غياب سياسة أسرية (دعم نفسي-اجتماعي، دعم سوسيو اقتصادي، مساعدة على الأبوة) وغياب تدابير بديلة لإيداع الأطفال في المراكز (صعوبة الحصول على الكفالة، وغياب مقتضيات مقننة لأسر الاستقبال).
▪️عدم تنزيل نص قانوني ينظم مقتضيات مراكز حماية الطفولة.
المحور الثاني: مقترحات للحد من هذه الإكراهات
بعد تشخيص المتدخلين لواقع مراكز حماية الطفولة وإكراهات العمل فيها بشرياً وتقنياً، نخلص إلى الجزم بمجموعة من التوصيات أو المقترحات وهي:
▪️ ضرورة إعادة تأهيل هذه المراكز، خصوصاً على مستوى البنيات التحتية، وحثوا الحكومة الحالية على جعلها ضمن أولوياتها، إلى جانب تشكيل قوى ضغط من أجل تحسيس الفرق البرلمانية بالتحديات المطروحة على هذه المراكز من أجل الترافع والرفع من الميزانية المخصصة لها.
▪️البحث عن آليات تساعد على إدماج نزلاء هذه المراكز في الحياة المهنية والاجتماعية بعد مغادرتهم لها، ورد الاعتبار للإطار التربوي العامل بهذه المراكز وتأهيله من خلال التكوين، وتحسيس المجتمع المدني بأدواره الدستورية كي يساهم في تتبع إيداع و إدماج نزلاء مراكز حماية الطفولة.
▪️ تكوين قضاة الأحداث تكوينا معرفيا ونفسيا، من أجل تفهم أفضل لشخصية الأطفال في نزاع مع القانون.
▪️ إحداث لجنة وطنية للإدماج وتأهيل الطفولة تحت إشراف المجلس الوطني لحقوق الإنسان، وإعادة إحياء لجن على مستوى الجهات تضم مجموعة من الشركاء لمعالجة التحديات المطروحة على مستوى إيواء النزلاء وإدماجهم، وتمتين العلاقة بين مراكز حماية الطفولة ووسائل الإعلام، في إطار شراكات وتبادل للخبرات والمعلومات.
▪️ضرورة الإسراع بإخراج القانون التنظيمي 75.11 لمراكز حماية الطفولة الذي لايزال حبيس الرفوف لدى الأمانة العامة للحكومة منذ سنوات.
وفي قلب برنامج التعاون الذي نظمه المغرب مع منظمة اليونيسيف في مجال حماية الطفولة، فقد عزز هذا البرنامج هذه المراكز بعدة إصلاحات، بما في ذلك إصلاح النظام القضائي، ووضع جهاز ترابي مندمج لحماية الطفولة، ثم الرصد المستقل لحقوق الطفل وبدء استراتيجية وطنية لتعزيز البدائل لإيداع الأطفال في مراكز الحماية.
بشكل عام، ستركز استراتيجيات التنفيذ على بناء القدرات، وإنتاج المعرفة وإدارتها، والتفكير والنقاش المفتوح حول تعزيز وحماية حقوق الطفل، وتبادل الخبرات من خلال المقارنة ورحلات التبادل، وتعزيز التنسيق والتآزر بين مختلف الجهات الفاعلة لحماية الطفولة.
هناك أربعة إصلاحات يشملها هذا البرنامج والمتمثلة في:
فيما يتعلق بالإصلاح الأول، ستواصل اليونيسف دعمها لإقامة قضاء للأطفال. وسيشكل هذا المكون الذي تم إطلاقه في عام 2016 بدعم مالي من الاتحاد الأوروبي حجر الزاوية لعمل اليونيسف. وفي هذا الصدد، تم تطوير مشروع “حماية” المنجز على مدى ثلاث سنوات، والذي يهدف بشكل عام إلى توفير عدالة تحترم حقوق الطفل. وبصورة أكثر تحديداً، يسهم المشروع في تعزيز قدرة الجهات الفاعلة في مجال العدالة وتنمية الموارد اللازمة لضمان احترام المصالح الفضلى للطفل في الإجراءات القضائية، الجنائية منها والمدنية والتطبيق السليم للقانون الجنائي والمدني. كما يهدف برنامج حماية إلى تحسين رعاية الأطفال الموجودين على صلة بالقانون حيث يوجد أكثر من 20.000
طفل في نزاع مع القانون كل عام، وأكثر من 7000 طفل ضحية للعنف، وأكثر من 2000 طفل معني بإجراءات الكفالة، وأكثر من 1000 طفل مودع في مراكز حماية الطفولة و100.000 طفل في المتوسط معني بالمسطرة المدنية.
بالنسبة للإصلاح الثاني المتعلق بوضع جهاز ترابي لحماية الطفولة، فستشمل المرحلة التجريبية داخل الأقاليم المستهدفة بناء القدرات وتطوير البروتوكول لتحديد ومعالجة ومتابعة الأطفال ضحايا العنف، وكذلك ترميز الخدمات وتوجيه الأطفال الذين تم تحديدهم. تأتي بعدها مرحلة الاستدامة، لا سيما بالاقتران مع إصلاح النظام القضائي والإطار التنظيمي لحماية الطفولة على الصعيدين الوطني والإقليمي. وبالتوازي وبالتآزر مع المحور الرابع الخاص بالسياسة العمومية المندمجة لحماية الطفولة، ستدعم اليونيسف المعايير الاجتماعية الوقائية التي تتمثل أساسًا في أنشطة التواصل ودعم الفاعلين قصد النهوض بحقوق الطفل، وتعزيز مشاركتهم ودعم الأبوة الإيجابية بمساعدة مالية من بلجيكا.
يتمثل الإصلاح الثالث، الذي سيحشد جهود اليونيسف وشركائها خلال هذه الدورة، في تعزيز القدرات الوطنية من أجل الرصد المستقل وإنجاز تقارير عن وضعية حقوق الطفل في المغرب وفقًا للمعايير الدولية. في هذا السياق، سيتم إدراج الأعمال المخطط لها مع المجلس الوطني لحقوق الإنسان، والتي يجب أن تساهم في إنشاء هيئة استئناف لأول مرة في المغرب، لفائدة الأطفال الذين انتهكت حقوقهم وفقًا للملاحظة العامة رقم 2 للجنة حقوق الطفل، وتحسين التنسيق الوطني والجهوي لتعزيز رصد انتهاكات هذه الحقوق. وسيتم التركيز بشكل خاص على تعزيز قدرات اللجان الجهوية لحقوق الإنسان، وكذلك على دعم عمل تحالفات وشبكات الجمعيات العاملة في مجال حماية حقوق الطفل، مع تعزيز الجمع الديناميكي للمعلومات حول حقوق الطفل بمشاركة الأطفال.
وأخيرا، يتمثل الإصلاح الرابع في بدء استراتيجية وطنية لتعزيز البدائل لإيداع الأطفال في مؤسسات الرعاية التي تستهدف الأطفال المحرومين من أسرهم أو المعرضين لذلك. وسوف تشمل استراتيجيتنا لدعم التوجه الاجتماعي للحكومة المغربية تعزيز توحيد خدمات وهياكل حماية الطفولة من خلال وضع معايير دنيا لرعاية الأّطفال والمرافق المخصصة لذلك، وتعزيز العمل الاجتماعي من خلال تطوير نظام مرجعي للمهن وتجريب برامج شاملة ومبتكرة وواعدة في مجال الحماية من الإيداع في المؤسسات وتعزيز الأسر وآليات تنظيم ورصد الإيداع، وإعادة إدماج الأطفال في البيئة الأسرية والمجتمعية، ودعم الشباب بعد خروجهم من مؤسسات الرعاية وخلق بدائل للإيداع في المؤسسات على شكل أسر حاضنة.
يتمثل هذا المحور الشامل في دعم المراهقين والشباب في وضعية هشة بهدف الانتقال إلى الحياة العملية وإدماجهم في المجتمع، كما يستهدف الشباب على صلة بالقانون (إصلاح القضاء) والشباب ضحايا العنف والاستغلال أو المعرضين لذلك (الجهاز الترابي للحماية) والشباب الذين فقدوا حماية الوالدين أو المعرضين لهذا الخطر (إصلاح الرعاية البديلة). وسيتم تنفيذ هذا المحور الداعم للمراهقين والشباب في وضعية هشة من خلال برامج فرصة وإشراق.